كيف حكم «ذو القرنين» الأرض بعزته وسطوته؟


كيف حكم «ذو القرنين» الأرض بعزته وسطوته؟




كيف حكم «ذو القرنين» الأرض بعزته وسطوته؟
قال الله تعالى: (آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98))(سورة الكهف).
لا نعلم قطعا من هو «ذو القرنين» وكل ما يخبرنا القرآن عنه أنه ملك صالح آمن بالله وبالبعث وبالحساب فمكّن الله له في الأرض وقوّى ملكه ويسر له فتوحاته، وبدأ «ذو القرنين» التجوال بجيشه في الأرض داعيا إلى الله، فاتجه غربا حتى وصل للمكان الذي تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه، وربما يكون هذا المكان هو شاطئ المحيط الأطلسي.
كان الناس يظنون ألا يابسة وراء هذا المكان، فأوحى إليه الله أنه مالك أمر القوم الذين يسكنون هذه الديار فإما أن يعذهم أو أن يحسن إليهم، فما كان من الملك الصالح إلا أن وضّح منهجه في الحكم فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا ثم حسابهم على الله يوم القيامة، أما من آمن فسيكرمه ويحسن إليه، وبعد أن انتهى «ذو القرنين» من أمر الغرب توجه إلى الشرق فوصل لأول منطقة تطلع عليها الشمس وكانت أرضا مكشوفة لا أشجار فيها ولا مرتفات تحجب الشمس عن أهلها، فحكم «ذو القرنين» في المشرق بنفس حكمه في المغرب ثم انطلق، ووصل في رحلته إلى قوم يعيشون بين جبلين أو سدّين بينهما فجوة، وكانوا يتحدثون بلغتهم التي يصعب فهمها وعندما وجدوه ملكا قويا طلبوا منه أن يساعدهم على صد يأجوج ومأجوج بأن يبني لهم سدا لهذه الفجوة مقابل خراج من المال يدفعونه له، فوافق الملك الصالح على بناء السد ولكنه زهد في مالهم واكتفى بطلب مساعدتهم في العمل على بناء السد وردم الفجوة بين الجبلين، استخدم «ذو القرنين» وسيلة هندسية مميزة لبناء السّد، فقام أولا بجمع قطع الحديد ووضعها في الفتحة حتى تساوى الركام مع قمتي الجبلين ثم أوقد النار على الحديد وسكب عليه نحاسا مذابا ليلتحم وتشتد صلابته، فسدّت الفجوة وانقطع الطريق على يأجوج ومأجوج فلم يتمكنوا من هدم السّد ولا تسوّره وأمن القوم الضعفاء من شرّهم، وبعد أن انتهى من هذا العمل الجبار نظر إلى السّد وحمد الله على نعمته وردّ الفضل والتوفيق في هذا العمل لله سبحانه وتعالى فلم تأخذه العزة ولم يسكن الغرور قلبه، يقول «سيّد قطب» رحمه الله "وبذلك تنتهي هذه الحلقة من سيرة «ذي القرنين»، النموذج الطيب للحاكم الصالح، ويمكنه الله في الأرض وييسر له الأسباب؛ فيجتاح الأرض شرقا وغربا ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر؛ ولا يطغى ولا يتبطر ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه، وإنما ينشر العدل في كل مكان يحل به ويساعد المتخلفين ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح ودفع العدوان وإحقاق الحق، ثم يرجع كل خير يحققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضل الله ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته وأنه راجع إلى الله".