من مأساة يومياتي :.... قصة قصيرة




من مأساة يومياتي :.... قصة قصيرة 

من مأساة يومياتي :.... قصة قصيرة
وقت القيلولة ، وما أدراكم ما وقت القيلولة ! .. فهو من الأوقات المحببة إلى نفسي لنيل قسطا من الراحة ، وأستعد لهذه القيلولة من بعد الانتهاء من تناول وجبة الغداء ، لدرجة أنها باتت من أهم الطقوس التي أحرص على القيام بها يوميا ، وخاصة في فصل الصيف .. وقبلها بقليل تتراخى جفوني وتخرج الكلمات مني متقطعة دون تركيز وأتثاءب تثاؤبا متكرراً
لا ينتهي حتى أضع آخر لقمة كانت بيدي و أدخل إلى غرفة نومي التي تطل على الشارع العمومي ، والتي حتى الآن لم أطمئن لاختيارها كغرفة نوم حيث ضجيج المارة والسيارات ، ولولا أنها كانت من اختيار الزوجة ـ التي لا معقب لاختياراتها ـ بحجة أن تأتيها الشمس من كل مكان ؛ ما بقيت فيها دقيقة واحدة ..


فاليوم ، سلمت نفسي لهادم اللذات الدنيوي، النوم ، وقت القيلولة ، ودخلت في سبات عظيم وما إن مكثت في النوم العميق بضع دقائق ، حتى آتاني صوتا جهورا فظاً ملحا من الشارع ليقتحم عليً نومي وراحتي وأحلامي ، صوت كأنه يأتي من أعماق الأرض لم أستطع وقتها التمييز إن كان لرجل أو لإمراة ، ولكنه لبائع ينادي ويعلن بإصرار وقوة عن بضاعته كي يُسمع كل من في البيوت جميعا ويقول : " قشطة يا جوافة .. عسل أبيض يا جوافة .. جوافة بلطيم يا ولاد " ، فاستدرت الجهة الأخرى لعله كابوسا كي أستأنف نومي .


ولكني فشلت في منع ان يصلني هذا الصريخ ، كما عجزت أيضا من العودة إلى النوم ، ولم أجد بداً من التسليم للاستيقاظ القسري .. ونهضت دون تركيز باسطا يدي لأفتش عن حافظة نقودي لشراء فاكهة " الجوافة " علما أنني من عشاق الجوافة التي بالقطع ستشفع للبائع عندي من أن أكيل له من البذاءات التي قد تضطرني تلك الظروف لاستخدامها ، وخرجت من غرفتي مهرولاً ، وما أن رأتني زوجتي مهرولا من الغرفة نحو الباب الخارجي حتى شهقت وصكت وجهها ظنا منها أنني قد أصابني مس من الجن ، ونزلت السلم وثبا كي ألحق بالجوافة التي لها مكانة خاصة عندي ، والتي متى شرفت ثلاجتنا تجدني أحوطها برعاية خاصة وازور الثلاجة من الحين لآخر ، لألتهم منها ما استطعت ..


وصلت إلى البائع لأجده سيدة لا رجلا ، في نهاية العقد السادس من العمر ، يرسم الزمان بخيوطه على وجهها وكفيها الهزيلتين ليعلنان عن عمرها الحقيقي ، تجلس القرفصاء ولا شيئا معافى فيها سوى صوتها الجهوري، الذي ما أن أطلقته أتتها الناس من كل حدب وصوب .. سألتها عن الجوافة ، فرنت إليّ بعينين نصف مفتوحتان وقالت بصوتها الأجش : سلامة عينيك !! ، فأرسلت ببصري لعمق القفص فلم أجد سوى أردأ أنواع الجوافة ، كانت الحبات الأخيرة ما تبقت من فرز المشترين ؛ خضراء متحجرة لا تصلح معها أسناني ، ولا تمت للبياض ولا للقشطة بصلة .. فقلت لها في سخرية متعمدة : أهذه جوافة بالله عليك ؟! فاهتاجت المرأة غضبا ، وقالت اذهب فلن أبيعك منها شيئا .. فتركتها عائدا آسفا غضبانا لتستأنف ترديدها الأولي " قشطة يا جوافة .. عسل أبيض يا جوافة " ..
بقلم

أحمد بدوي